لا شكَّ أنَّ للضيف مكانةً ومنزلةً في نفوسنا وفي ديننا, ولقد تربِّينا على استقبال الضيف أجمل
استقبال، والاحتفاء والعناية به, والاستعداد لمجيئه ومَقْدَمِهِ, ولقد عَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف علامةً على الإيمان بالله واليوم الآخر؛ فقال - كما في الصحيح-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه".
ولستُ بصددِ الحديث عن استقبال الضيف ومكانته ومنزلته في الإسلام, ولكني أودُّ الإشارة إلى ضيفٍ آخر يحلُّ علينا؛ ألا وهو شهر رمضان, يحلُّ ضيفاً علينا أياماً معدوداتٍ, سُرعانَ ما تنقضي, إنَّه من نِعَمِ الله على هذه الأمة, موسمٌ لمضاعفة الأجور, من أدركه ينبغي ألا يخرج منه إلا وهو مغفورٌ له, فعندما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ورقي العتبة الأولى قال: (آمين)، ثم رقي الثانية فقال: (آمين)، ثم رقي العتبة الثالثة فقال: (آمين)، ثمَّ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدرك رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله؛ فقلت: (آمين)،
إنَّ واقع الكثير من البيوت اليوم هو الانشغال عن هذا الضيف, وعدم العناية به, أو إعطائه ما يستحقُّه من اهتمامٍ وحسنِ ضيافةٍ واستعدادٍ, فهنالك ما يُشغل أهل البيت عن الضيف, هنالك زَخَمٌ من البرامج التليفزيونية والمسلسلات التي في معظمها تجرح الصيام, وتُسهم في سرقة الأجر والثواب, فما يناله الصائم من نفحاتٍ إيمانيةٍ، تتكفَّل تلك البرامج والمسلسلات بسرقته, وحتى لحظاتِ الخشوع في صلاة التراويح سُرعان ما يتمُّ سرقتها, كما قال عليه الصلاة والسلام: "أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته"، قالوا: يا رسول الله! كيف يسرق من صلاته؟! قال: "لا يتمُّ ركوعها و لا سجودها"، حتى أصبحت بعض العواصمِ تخلوا من المارَّة في وقت عرض أحد المسلسلات!
واستعداداً لاستقبال الشهر عَمَدَ أحد الزملاء إلى إلغاء معظم القنوات, واتَّفق مع أهله على عدم متابعة أيِّ برنامجٍ خلال رمضان, بل وعلى شراء ملابس العيد قبل رمضان, مؤكِّداً أنَّ كلَّ ما يُعرض في رمضان -ولأول مرةٍ وحصريًّا- يُعاد عرضه بعد رمضان وفي معظم القنوات, أما رمضان ذاته فلا يُعاد عرضه!
ينبغي علينا أنْ نستعدَّ لهذا الضيف, وما أجمل التنافس بين الإخوة والأخوات, والزوج
وزوجته على ختم القرآن الكريم, وما أجمل أنْ تجلس الأسرة على مائدة التفسير, وأنْ تجتمع على سماع الذكر والخير, وما أجمل استقبال هذا الشهر بالتوبة والإنابة، والتخلُّص من العادات السيئة, وتركِ ما أَلِفَتْهُ نفوسنا من معاصٍ أو مكروهاتٍ, إنَّها أيامٌ معدوداتٌ ولحظاتٌ ثمينةٌ لا ينبغي أنْ نُفرِّط فيها, وعلينا أنْ نستعدَّ لها أتمَّ الاستعداد؛ لنُرِيْحَ أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا، لعلَّ دعوةً صادقةً أو دمعةً خاشعةً تُطهِّر قلوبنا, وتغفر ذنوبنا.
قال عليه الصلاة والسلام: "رمضان تُفتح فيه أبواب السماء - وفي رواية: الجنة- وتُغلق فيه أبواب النيران, ويُصفَّد فيه كلُّ شيطانٍ مريدٍ, ويُنادي منادٍ -وفي روايةٍ: مَلَكٌ- كلَّ ليلةٍ: يا طالب الخير هلم, ويا طالب الشر أمسك"، أخرجه النسائي.
جميع الحقوق محفوظة لموقع رسالة الإسلام © [i]